نجح فريق بحثي مصري في اكتشاف حفري لجنس ونوع جديد من أسلاف الحيتان المنقرضة التي جابت المياه المصرية قبل نحو 41 مليون سنة، وفق ما أعلنته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في مصر اليوم الخميس.
ووثق الفريق البحثي الاكتشاف في ورقة بحثية نشرت اليوم الخميس، في دورية ((كوميونيكيشن بيولوجي)) الصادرة عن مؤسسة ((نيتشر)) العالمية.
وذكرت الوزارة في بيان على صفحتها الرسمية بموقع ((فيسبوك)) ، أن وزير التعليم العالي والبحث العلمي أيمن عاشور أشاد بجهود فريق الحفريات البحثي بجامعة المنصورة، وهنأهم على الاكتشاف الجديد.
وأوضح شريف خاطر رئيس جامعة المنصورة أن هذا الحوت الجديد يعد أحد أصغر وأقدم أسلاف الحيتان مائية المعيشة والتي تطورت الى أسلاف برمائية.
من جهته، قال هشام سلام رئيس الفريق البحثي ومؤسس مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية وأستاذ الحفريات بجامعة المنصورة، إن الحوت الجديد ينتمي إلي عائلة حيتان « الباسيلوصوريات »، وهي مجموعة من أسلاف الحيتان المنقرضة التي تمثل أول مراحل المعيشة الكاملة للحيتان في الماء، بعد انتقال أسلافها من اليابسة إلي الماء.
وأضاف سلام أنه بالرغم من أن هذه المجموعة من أسلاف الحيتان كانت قد طورت خصائص تشبه الأسماك، مثل تحول الطرف الأمامي إلى زعانف، واستطالة الفقرات ونمو زعنفة الذيل، إلا أنها كانت تمتلك أطرافا خلفية يمكن رؤيتها بما يكفي لتسميتها « أرجل »، والتي لم تكن تستخدم في المشي إطلاقًا لضآلة حجمها.
وتم العثور على حفريات الحوت الجديد في صخور عصر الإيوسين من متكون وادي الريان الجيولوجي بمنخفض الفيوم جنوب غرب دلتا النيل، بحسب محمد سامح المؤلف الرئيسي للدراسة وعضو مجلس إدارة مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية وخبير إدارة التراث الطبيعي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).
وتتكون تلك الحفريات من جمجمة وفكين وأسنان والفقرة العنقية الأولى، وأجزاء من العظم اللامي (العظم الواقع عند قاعدة اللسان) بحسب سامح الذي أوضح أن عمر هذه الطبقات التي اُكتشف منها هذا الحوت تُقدر بنحو 41 مليون عام، مما يساعد في استكمال صورة تطور الحيتان الأولى في إفريقيا في هذا العمر.
وأضاف أنه بعد دراسة أبعاد العظام المتحفرة وإجراء المعادلات الحسابية لاستنتاج طول الحوت ووزنه، اتضح أن الحوت الجديد كان يبلغ طوله نحو 2.5 متر، بينما يصل وزنه إلى قرابة 187 كلغ، وبذلك يعد الأصغر حجما بين كل أفراد عائلته من شتى أنحاء العالم.
وأشار إلى أن الحوت كان قادرا على السباحة بكفاءة وربما الغوص لأعماق متفاوتة بما يشبه أحفاده من الدلافين اليوم، مما يقدم لنا فهما غير مسبوق لتاريخ الحياة والتطور والجغرافيا القديمة للحيتان الأولى.
في السياق ذاته، أوضح عبدالله جوهر عضو الفريق العلمي بمركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية ،ومؤلف أساسي في كتابة الورقة البحثية، أنه تم تسمية هذا الحوت الجديد « توتسيتس » على شرف الملك المصري الشهير توت عنخ آمون للتشابه بينهما، إذ مات الحوت صغيرا مثل الملك توت، وكان ملكا للبحار القديمة في وقته.
وأشار جوهر كذلك في معرض توضيحه لسبب هذه التسمية، إلى إضفاء الطابع المصري القديم على هذا الاسم العلمي، إضافة إلى إحياء ذكري اكتشاف مقبرة الملك الصغير قبل قرن من الزمان، وتزامنا مع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير بمحافظة الجيزة جنوب غرب القاهرة.
ولفت إلى أنه تم تسمية النوع « رياننسيس » على شرف متكون وادي الريان الصخري بمنخفض الفيوم التي اكتشفت حفرياته منها، ليكون الاسم كاملا « توتسيتس رياننسيس ».
وأضاف أن « الحوت الملك » عاش وقتما كان قطاع كبير من الأراضي المصرية مغطى ببحر شاسع يعرف بـ « بحر تيثيس »، حيث عاشت حيوانات بحرية قديمة من بينها أسلاف الحيتان التي تعيش اليوم.
وأوضح أنه تبين من الدراسة التشريحية المفصلة لحفريات توتسيتس رياننسيس أنه يختلف تماما عن كل أقرانه من الحيتان المعروفة من قبل، إذ أنه يمتلك نمطا فريدًا من الأسنان، مكّنه من اكتشاف موائل مختلفة.
وأشارت سناء السيد عضو الفريق العلمي والمدرس المساعد بجامعة المنصورة إلى أن صغر حجم هذا الحوت تم تفسيره بأنه ربما كان مرتبطًا بطريقة أو بأخرى بالاحتباس الحراري الذي شهدته الأرض في ذلك الوقت والذي يعرف بـ « الحد الحراري الأقصى لعصر اللوتيتي المتأخر »، أو أن حوت « توتسيتس » ربما توارث تلك الصفة من أسلافه القدامى والأقل تطورا.
وأضافت أن الحيتان تهاجر اليوم إلى المياه الحارة والضحلة لكي تتكاثر وتتوالد في ظروف كتلك التي عاشتها مصر قبل 41 مليون سنة، الأمر الذي يؤكد أن منطقة الفيوم كانت إحدى أهم مناطق توالد وتكاثر الحيتان القديمة، وربما هاجرت إليها الحيتان القديمة من أماكن مختلفة، الأمر الذي بدوره جذب الحيتان المفترسة والأكبر في الحجم مثل باسيلوصورس.